"كلما طال الاجتماع قلّ إنجازه".
المدير التنفيذي لشركة "آبل" تيم كوك
يرزح الموظفون - كما المنظمات - تحت وطأة اجتماعات تستحيل طقوساً إدارية يجب ممارستها تنفيساً عن رغبات مكبوتة للكلام لا للإنتاج. في الأصل، لا يتخطى الاجتماع المثمر 17 دقيقة، ويمكن إضافة بضع دقائق عند الضرورات القصوى. يتبع العديد من القادة الغربيين هذه القاعدة حتى خلال لقائهم شخصيات على مستوى رؤساء الدول والحكومات.
في الحالات السليمة، لا يكون الاجتماع للتباحث في الأفكار، بل لتثبيتها بعد نقاشها ضمن آليات تواصل مسبقة لا يمكن الاجتماع من دون إنجازها، وإلا كان الاجتماع بلا فائدة.
ولكنّ كثرة الاجتماعات وطول مدتها ليسا مسألة قصور إداري فقط، بل هما أيضاً ظاهرة وبائية تسبب أضراراً نفسية حقيقية للمجتمعين كافة.
في بحث مخبري لشركة "مايكروسوفت" عام 2021، وجد الباحثون أنماطاً "غير مشجعة" في نشاط موجات الدماغ أثناء الاجتماعات الطويلة نسبياً والمتلاحقة. وُصلت أجهزة تخطيط للدماغ برؤوس المشاركين في البحث لقياس نشاط أدمغتهم بعد مشاركتهم في اجتماعات متتالية، مدة كل منها نصف ساعة. أظهر التخطيط بوضوح ارتفاعاً ملحوظاً في موجات "بيتا" المرتبطة بتراكم الإجهاد في أدمغة الأشخاص الذين حضروا هذه الاجتماعات.
تمت إعادة تنفيذ التجربة مع إعطاء فترة استراحة للأشخاص أنفسهم خلال الاجتماعات، ليتبين أن أدمغتهم تكيفت مع الضغوط وعملت بصورة أفضل عند حصولها على الاستراحة.
في الواقع، لا تحتاج غالبية المنظمات إلى دراسات وبراهين علمية لتستشعر ضرر الاجتماعات على بيئة العمل ككل، إذ يشير استطلاع للرأي في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن 83% من المديرين وصفوا الاجتماعات بأنها "قاتل الإنتاجية الأول"، فما المطلوب إذاً للتحرر من "الإدمان" على الاجتماعات؟ وما أفضل الممارسات لضبط الاجتماعات كي تحقق الفائدة المرجوة منها؟
ترتبط السعادة بشكل وثيق بإدارة الوقت. تنطبق القاعدة نفسها على العمل، كما كل ميادين الحياة. من أجل ضبط أوقات الاجتماعات، كما أيّ نشاط إنتاجي مرتقب، يجب استكشاف المزالق النفسية التي تقود إلى الإطالة في الاجتماعات والمبالغة في عقدها.
يكمن سر الاستفادة من الاجتماعات في فهم كيفية إجراء اجتماع ناجح. لو أجريتم مسحاً سريعاً في المؤسسات التي تعملون فيها، واستطلعتم آراء الزملاء في إجراءات الاجتماعات الفعالة، لأجابت الغالبية – ومن دون تردد – بضرورة تحديد جدول أعمال الاجتماع وهدفه، وتوجيه الدعوات إلى الأشخاص المعنيين في التوقيت المناسب.
يبدو هذا النوع من المعرفة أمراً بديهياً، ولكن العجيب أنَّ الناس يرتكبون في أغلب الأحيان أخطاء يعرفون مقدماتها. بكلمات أخرى، يعرف معظم المديرين والموظفين كيفية عقد اجتماع فعّال، ولكنهم ببساطة لا يعملون بما يعرفون.
أحد التفسيرات السيكولوجية لهذه المسألة هي أن البشر يميلون عادة إلى تحقيق الإشباع الفوري بدلاً من الانتظار. ومع أنّ السعي للإشباع الفوري "ميزة تطورية"، فإنَّه يرتبط أيضاً بـ"ضعف الإرادة" و"المماطلة".
في حال المنظَّمات، فإن "ضعف الإرادة" و"المماطلة" يظهران على شكل اجتماعات متلاحقة تؤدي إلى هدر الوقت والتقليل من الإنتاجية. بمعنى أوضح، اعتادت الغريزة البشرية – عبر آلاف السنين - كسب المكافآت السريعة، ولكن في العمل يحتاج إنجاز المهام إلى جهد يستغرق وقتاً. وهنا تماماً يأتي دور الاجتماعات التي تمثل مساحة لـ"الهروب" من العمل الحقيقي!
وبما أنَّ اللعب في العمل وتصفّح شبكات التواصل إلى ما لا نهاية وما شابه من النشاطات التي تضيع الوقت... أمور غير ممكنة، لكونها "ممارسات" بالغة الوضوح في عدم ارتباطها بالعمل، يلجأ العقل البشري إلى ممارسات مقبولة تحت عنوان أنها جزء من العمل، وأي أمر أفضل من عقد الاجتماعات!
وكي نُبعد عن أنفسنا الشعور بالذنب نتيجة عقد اجتماع لا طائل منه، فنحن نراكم الاجتماعات ونزيد من وقتها كي نقنع أنفسنا والآخرين بأننا "مستغرقون" في العمل، ولكن يناقش كثيرون في أنَّ الاجتماعات هي جزء من العمل، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، فهي تندرج ضمن آليات التواصل الإدارية التي يمكن الاستغناء عنها في كثير من الأحيان بأفعال صغيرة إذا ما أتقنّا إدارة الوقت.
ما ورد أعلاه يفسر جميع السلوكيات الإدارية الخاطئة المرتبطة بعقد الاجتماعات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- الدعوة إلى اجتماع يمكن الاستعاضة عنه بتصويت عبر البريد الإلكتروني.
- الدعوة إلى اجتماع لا يعد جدول أعماله مفهوماً.
- الدعوة إلى اجتماع مفتوح زمنياً.
- الدعوة إلى اجتماع لا يخرج بنتائج محسومة.
في حال المؤسسات الإعلامية، يتخذ وباء الاجتماعات بُعداً أكثر تعقيداً، لأن الإعلاميين يميلون دوماً – وعن غير قصد – إلى المبالغة في جميع أمور الحياة بسبب طبيعة المهنة التي تعيد صياغة أنماط تفكيرهم سلباً. لذا، يصبح الاجتماع طقساً مقدساً يجب الالتزام به، وإلا خرج الموظف الممتنع – مجازاً - من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر!
والآن، وقبل أن تدعو إلى اجتماع جديد أو تنضم إليه، اسأل نفسك والآخرين: هل يساهم هذا الاجتماع في تحقيق الهدف فعلاً أو أنه يبطئ عجلة العمل؟.